Halaman

Kamis, 11 April 2013

المبحث الأول
(رعاية اليتيم في القرآن الكريم)
-      في العهد المكي.
(أ‌)               الرعاية النفسية.
(ب‌)          عال اليتيم.
-      في العهد المدني.
(أ‌)               العناية بأخلاقه وحسن تربيته.
(ب‌)          العناية بالمحافظة على ماله.
(ت‌)          الأمر بالإنفاق والعطف عليه.

للقرآن الكريم عناية خاصة باليتيم، لصغره، وعجزه عن القيام بمصالحه التي تحفظ له حسن الحياة في المستقبل، وتقي الأمة شر الضرر الذي يحيق بها من عدم تربيته، لفقده الأب الذي يكفله ويهذبه ويرعاه.
وقد ظهرت هذه العناية في القرآن الكريم منذ الفترة الأولى حين بدأ الوحي، إلى الفترة الأخيرة حين قارب الوحي التمام والكمال([1]).

في العهد المكي:
ولو تصفحنا القرآن الكريم لوجدناه قد تعرض لليتيم وأحكامه في أربع سور من سوره التي نزلت في العهد المكي، في الآيات التالية:
في قوله تعالى ) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ( [الأسراء34].
وفي قوله تعالى ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( [الفجر17].
وفي قوله تعالى ) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ( [البلد 15].
وفي قوله تعالى ) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى( [الضحى 6].
وفي قوله تعالى ) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ( [الضحى 9].
وفي هذه الفترة نجد أن القرآن الكريم: لم يتعرض لرعاية اليتيم في ماله إلا على وجه الإجمال، بينما كان تعرضه لرعايته في نفسه تفصيلاً، وبشيء كثير من الاهتمام.

الرعاية النفسية:
فقد ظهرت هذه الرعاية في مكي القرآن. حينما عاد الوحي إلى الرسول r بعد انقطاعه مدة طال فيها على الرسول انتظاره، حتى توجس في نفسه أن يكون الله تعالى قد ودعه وقلاه، فجاءه الوحي مؤكداً له رعاية الله إياه، وأنه ما ودعه وما قلاه، وأخذ يثبت ذلك في نفسه، ويذكره بعناية الله تعالى به قبل النبوة، وهو يتيم أحوج ما يكون إلى العطف والإيواء ) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى(.
وبذلك أشعر قلبه من أول الأمر، بأن اليتيم الذي ذاق مرارته، ينبغي أن يكون باعثاً له على العطف على اليتيم، والنظر إليه بعين الرحمة، والعمل على إيوائه وتكريمه. ثم يطلب منه شكر الله على نعمته التي أنعم بها عليه حين وجده يتيماً وآواه. وأن يكون ذلك الشكر من نوع هذه النعمة، عطفاً على اليتيم، كما أنهم عليه بالعطف وهو يتيم ) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ( .
وكأنه سبحانه وتعالى يقول لنيه عليه السلام: عليك أن تفعل في حق الأيتام مثلما فعلت معك حينما كنت يتيماً فآويتك([2]).
ثم تظهر هذه العناية وهذه الرعاية: حينما يسجل القرآن الكريم أوصاف كفار مكة، وينتقل من قبيح الوصف إلى أقبحه ترقياً في ذمهم([3])، حينما يخبر عنهم، بأنهم )كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(، حيث أكرمهم الله تعالى بكثرة المال، ومع ذلك فهم لا يؤدون ما يلزمهم فيه من إكرام اليتيم بالمبرة منه([4]).
وهذا الإكرام الذي يحث المولى سبحانه وتعالى على إحاطة اليتيم به: يشمل الإكرام في معاملته، والعطف عليه، أو التصدق عليه إن كان في حاجة لذلك.
بينما يجعل التصدق عليه إن كان في حاجة لذلك: من مجاهدة الإنسان نفسه، وعدوه الشيطان([5])، إذ يقول سبحانه وتعالى بعد أن يعدد بعضاً من جلائل نعمه على عبده ـ )فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ .....(، وفي التعبير بقوله تعالى )ذَا مَقْرَبَةٍ( ما يفيد الصدقة على القريب أفضل منها على البعيد، ولذلك بدأ به قبل المسكين([6]).
أما في مال اليتيم:
فكانت الوصية في هذه الفترة: بالنهي عن "قربان" ماله. ونجد أن تسليط النهي عن "القربان" على هذا النحو: لم يرد في شيء غير النهي عن مال اليتيم، إلا في الوصية بالنهي عن الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، وأن ما عداهما: كان النهي فيه مسلطاً على نفس الفعل حتى الشرك بالله، لا تشركوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله .. الخ.
وذلك: يدل على مقدار العناية الإلهية باليتيم وشأنه، ويوحي بأن الاعتداء عليه، هو عند الله في مستوى ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن([7]).
وإن رسالة تؤسس على رعاية مثل هذه الاعتبارات، فهي رسالة الرحمة العامة، والخير العميم([8]).
ولقد تأثرت نفوس القوم آنذاك بهذه الوصايا المكية تأثراً صاروا معه في حرج من أمر اليتيم.
ماذا يفعلون؟ أيتركون القيام عليه، فيفسد أمره، ويضيع ماله؟ أم يقومون عليه، ويعزلونه عن أبنائهم في مأكله ومشربه، فيشعر بالذله والمسكنة.

في العهد المدني
حتى كان العهد المدني، وأتى بحلول وإجابات لتساؤلاتهم هذه عن اليتيم وكيفية رعايتهم له في ماله ونفسه.
إذ قال الله تعالى لرسول عليه السلام: عندما )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى( [البقرة 220]
)قُلْ( تعليماً لهم، وإرشاداً إلى ما ينبغي عليهم في حق هذا العضو من أعضاء المجتمع )إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(.
وينزل في تنظيم معاملاتهم كثير من الآيات في هذا العهد المدني.
(أ‌) منها ما.... وخاص بأموالهم
كقوله تعالى )وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ( [الأنعام 152]
وقوله )وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ( [النساء 2]
وقوله تعالى )وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ( [النساء 6]
وقوله تعالى )إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا( [النساء 10]
وقوله تعالى )وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ( [النساء 127]

(ب‌)    ومنها ما هو لرعاية أنفسهم وأخلاقهم
كقوله تعالى )أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ( [الماعون 2]
وقوله تعالى ) لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى( [البقرة 83].
وقوله تعالى )وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى( [النساء 36].

(جـ) ومنها ما هو للعطف والانفاق عليهم:
كقوله تعالى )وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا( [الإنسان 8].
وقوله تعالى )وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى(
وقوله تعالى )قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى(
وقوله تعالى )وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا(
 وقوله تعالى )وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى(
وقوله تعالى )مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ(
كل هذه التشريعات والتوصيات التي تكاثرت في العهد المدني: هادفة خلق مجتمع إسلامي فاضل متعاطف، لا يبغي فيه القوي على الضعيف ولا يأكل فيه الغني حق الفقير في ماله.
ولذا نلاحظ في مجموع آيات هذه الفترة:

أولاً: عناية القرآن بتقوية أخلاق اليتامى وإحسان تربيتهم
إذا حينما يقول الله تعالى )وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا( يشعرنا ذلك بأهمية العناية بتربية اليتامى، تربية تهذب من أخلاقهم؛ وتكفل لهم حسن المستقبل([9]).
وقد قرن الله سبحانه وتعالى العناية بهم وحسن توجيهم بعبادة الله سبحانه وتعالى، والإحسان إلى الوالدين )لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى( بل جعل من يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً بجفوة وأذى، وبرده رداً قبيحاً بزجو وخشونه، جعل ذلك من دلائل تكذيبه بالدين )أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(([10]).
وحسن رعايتهم ومعاملتهم وتربيتهم: يكون بإرشادهم إلى ما هو خير ونافع، وتحذيرهم مما هو شر وفساد.
هذا ... وتربيه اليتامى: من الشئون التي يجب على أهل الرأي، وأولي الأمر في الأمة، أن يعنوا بها عناية خاصة، حتى لا يكونوا عناصر فساد في الأمة، أو منبث شقاء لها، بسريان عدوى فساد الأخلاق إلى من يخالطون من أبناء الأمة.
فالعناية بهم: عناية بتكوين الأمة، وإهمالهم فتح لباب شر مستط... ينزل بالأمة في عزتها وكرامتها([11]).

ثانياً: عناية القرآن بالمحافظة على أموال اليتامى
ويتجلى ذلك فيما يلي:
1.الأسر بالمحافظة على أموالهم، وصيانتها لهم، وعدم أكلها ظلماً بل النهي عن قرباها إلا بالتي هي أحسن، حتى يسلموها عند بلوغهم الرشد، كاملة غير منقوصة. فالله سبحانه وتعالى: يأمر بابتلائهم واختيارهم في المعاملات، وتدريبهم عليها، ثم يرشدهم إلى الوقت أو الحال التي تسلم لهم فيه أموالهم إليهم، حينما يقول ) وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ(. وهو في نفس الوقت: يحذرهم من الاحتيال على أكلها عن طريق المبادلة ) وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ( أو عن طريق الخلط ) وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ( إذ لمبادلة والخلط طريقان يكثر الاحتيال فيهما على اغتيال أموال اليتامى، تحت ستر الإصلاح بالبيع والشراء، باسم أنه منفعة لليتيم، أو بالخلط والشركة، باسم أنه أعز لليتيم وأكرم([12]). بل ينهى صراحة: عن أكل أموالهم ظلماً بقوله تعالى ) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا( على هذه الصورة الرادعة الزاجرة.

2. تحديد العلاقة المالية بين الوصي واليتيم.
(أ)النزاهة في التعامل مع مال اليتيم:
إذا أنه لما كان الوصي لا يخلو حاله من أن يكون غنياً بماله، ولا يحتاج إلى غيره، أو فقيراً لا يملك ما يدفع به حاجته. أرشدهم الله تعالى:
إلى أن الغني: ينبغي له أن يترفع عن تناول شيء هو في غنى عنه من مال اليتيم، وأن يجاهد نفسه بالتحلي بال....، ليكون عمله في صون اليتيم، وحفظ ماله، عملاً إنسانياً فاضلاً، يتغنى به وجه الله ورضاه.
وأباح للوصي الفقير: أن أخذ من مال اليتيم بقدر ما يسد به حاجته، التي لا ينكرها عليه أصحاب العقول.
ونجد ذلك كله في قوله تعالى([13]) )وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا(.

(ب) تثمير أموالهم حتى تسليمها لهم:
إذا أن رؤوس الأمول: لا يصح أن تبقى جامدة غير متحركة، ولا واقفة غير مثمرة، والله تعالى يقول )وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا( [النساء 5]، فهو سبحانه يطلب أن يكون الرزق فيها "أي من أرباحها" لا منها، فهي تكون باقية، والرزق من أرباحها المشروعة، وقد أفصح عن هذا الفهم، ما ورد من قول النبي r في خطبه له حينما قال "لا من ولى يتيماً له مال فيلتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"([14]).

(جـ) عدم أكل حقوقهن في حالة التزوج بهن
وحيث كان بعض أولياء اليتامى: ينزع إلى التزوج بمن بلى أمرها من اليتيمات، اللائي يحل  له زواجهن، أو إلى تزويجها بعض أبنائه، إذا كانت لا تحل له، ويتخذ هذا أو ذاك ذريعة إلى أكل مهرها الذي تستحقه بعقد الزواج.
نزلت الآيات السابقة الخاصة بالتعامل في أموال اليتامى. وحينئذ: أنصرف نفوسهم عن التزوج من اليتيمات ـ متخوفين سواء العاقبة ـ بعد أن أرشدهم القرآن إلى أنهم ـ إن لم يأمنوا على أنفسهم العدل في أموال اليتيمات، وحسن معاشرتهن، وتسليمهن حقوقهن إذا تزوجنهن، أو زوجوا أبناءهم منهن ـ أرشدهم إلى ترك التزوج بهن؛ حفظاً لأنفسهم من الوقوع في هذا الإثم العظيم.
ولفت أنظارهم إلى باب واسع، هو التزوج بغيرهن من الأجنيبات، اللاتي تميل إليهن نفوسهم، فذكرت لهم: إباحة التزوج بثنتين أو ثلاث أو أربع، وذلك في قوله تعالى ) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ( يريد بذلك أنه لم يضيق عليكم في أمر الزواج، حتى ........ فيه عند حد اليتيمات اللاتي تتحرجون من سوء معاشرتهن؛ وخوف أكل أموالهن، فلكم في الزواج بما طاب لكم من النساء مقسع عظيم([15]).

وفي هذا: منتهى المحافظة على مال اليتيم، واغلاق لباب الاحتيال، الذي يسبب له من بعض الأوصياء الخسران وضياع المال.

وقمة وصايا القرآن الكريم لصيانة مال اليتيم: وعيده تعالى الذي يباعد به بين الأوصياء المؤمنين وبين التفريط في شيء من حقوق اليتامى بهذا الأسلوب الذي يناحي عواطفهم حيث يقول: ) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(.

ثالثاً: الأمر بالإنفاق عليهم
ويمتلئ القرآن الكريم بالصور الرائعة التي يحث بها على الانفاق على اليتامى.
حيث يجعل سبحانه وتعالى: إطعام الطعام على حبه لليتيم، أحد الأسباب التي بقى الله بها ذلك المطعم شر يوم الجزاء، فيقول تعالى ) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا...( ([16]).
ويشترط سبحانه وتعالى في هذا المنفق على اليتيم: أن يكون مما يحبه صاحبه، ومن خير ما لديه، حيث يقول ) عَلَى حُبِّهِ( [البقرة 177، الإنسان 8]. ويقول ) قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى(.
وفي ذلك: تطوع للإنسان على الإنفاق من أفضل ما يملك فلا يكون عبداً .... يملك ولا بخيلاً به، ولا منفقاً من أرذله، وإعلاء لشأن اليتيم، وتقرير لحقه في أموال الأغنياء، وتكريم لنفسه، وترتيبها على العزة ، وحماية له من مذلة الحاجة. ويبلغ هذا الأمر أروع صورة التشريعية: حينما يجعل لليتيم خمس الغنائم حيث يقول تعالى ) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ( [الأنفال 41].
ويقول تعالى ) مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ( [الحشر7].

وختاماً:
فالذي يتضح لنا بعد كل هذا: هدف القرآن الكريم في خلق مجتمع فاضل، قوى متكامل، لا يحمل فيه أحد للآخر ضغينة، ولا يوجد بين أفراده من يضيع حقه في الرعاية بسبب فقده لأبيه، وإغلاقه لكل السبل التي يدخل منها الفساد إلى المجتمع، ومحاولته بكل هذه التشريعات العمل على عدم انعزال اليتيم عن المجتمع، وشعوره بالضياع، أو دفعه لطريق الفساد، وكذلك دفعه ـ بهذه التشريعات ـ المجتمع للتماسك والتآزر حتى يكونوا كالبنيان المتراص، وكالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.


([1]) الشيخ محمود شلتوت. تفسير القرآن الكريم ص 177، 178.
([2]) سليمان الجمل المفتوحات الإلهية 4/155.
([3]) نفس المرجع السابق 4/533.
([4]) أبو السعود: إرشاد العقل السليم.
([5]) الزمخشري: الكشاف 4/603.
([6]) ابن العربي أحكام القرآن 4/928.
([7]) الشيخ شلتوت: تفسير القرآن  ص 179.
([8]) نفس المرجع ص 178.
([9]) الشيخ شلتوت: تفسير القرآن 183.
([10]) الزمخشري: الكشاف 4/642.
([11]) الشيخ شلتوت: تفسير القرآن 184.
([12]) الشيخ شلتوت: تفسير القرآن ص 180.
([13]) نفس المرجع 184.
([14]) الشيخ شلتوت: تفسير القرآن ص 183.
([15]) نفس المرجع ص 180، 180.
([16]) الإنسان آية 5 وما بعدها.